JSN Blank - шаблон joomla Продвижение

 

سدود يوغندا وملف نزاعات مياه النيل 1-2 .. بقلم: د. سلمان محمد أحمد سلمان

1
إستعرضنا فى مقالاتٍ سابقة السدود التى بنتها وتلك التى تنوى اثيوبيا بناءها على منظومةالنيل (النيل الأزرق ونهر عطبرة ونهر السوباط). وقد أوضحتْ تلك المقالات أن التنافس على مياه النيل قد وصل مرحلةً حرجة، وأن نجاح اثيوبيا فى إنجاز حتى جزءٍ يسير من هذا البرنامج الطموح جديرٌ بأن يدفع بالتنافس بين دول حوض النيل إلى مرحلةٍ من الخلافات، والتى قد تصل إلى حدّ النزاعات.
ولابد من إلإشارة فى البداية إلى أن اثيوبيا لم تكن لديها يد السبق فى مسألة بناء السدود على منظومة النيل، فقد سبقتها مصر ببناء سد أسوان الذى إكتمل فى بداية القرن الماضى، ثم السد العالى فى ستينيات القرن الماضى كأكبر سدٍ فى العالم وقتها. وفى السودان تم بناء خزان سنار فى عشرينيات القرن الماضى ثمّ خزان جبل أولياء فى ثلاثينياته. وتبع ذلك خزان الروصيرص وخزان خشم القربة فى الستينيات منه. وتلى ذلك سد مروى الذى إكتمل بناؤه قبل عامين. وهناك دراساتٌ لمجموعةٍ من السدود فى السودان من بينها كجبار ودال والشريك (على نهر النيل) وسدّا الرميلة والبردانة/سيتيت على نهر عطبرة، هذا بالإضافة إلى سد بِيدِن على بحر الجبل فى جنوب السودان.
بجانب مصر والسودان واثيوبيا فإنّ يوغندا شرعت فى بناء السدود على النيل الأبيض فى خمسينيات القرن الماضى، ولديها هى الأخرى برنامجٌ طموح لمجموعة من السدود على النيل الأبيض كما سنناقش فى هذا المقال والمقال القادم.

2
يوغندا قطرٌ صغيرٌ لا تتعدى مساحته 250,000 كيلومتر مربع، وهى تساوى حوالى عُشر مساحة السودان الحالية (قبل إنفصال الجنوب رسمياً فى يوليو القادم). ورغم صغر حجم البلاد فإن سكانها يقتربون من سكان السودان فى العدد، حيث يبلغ عدد سكان يوغندا هذا العام حوالى 35 مليون نسمة. وقد أدى الإستقرار السياسى والأمنى النسبى إلى نموٍ للإقتصاد خلال السنوات الماضية، إلاّ أن يوغندا لاتزال من أفقر الدول فى العالم وتقع فى المرتبة الخامسة عشر من القاع، وهى من الدول التى لا منفذ لها للبحر.
أما من الناحية المائية فإن يوغندا تُعْتبر من الدول الغنية نِسبيّاً، إذ أن مواردها المائية المتجددة (السطحيّة والجوفية) تبلغ حوالى 39 مليار متر مكعب، وهى تُترجم إلى حوالى 1,200 متر مكعّب للفرد. وتُغطى البحيرات والأنهار حوالى خُمس الأراضى اليوغندية. وتقع كل أراضى يوغندا تقريباُ داخل حوض النيل، بينما يقع حوالى 8% من حوض النيل فى يوغندا. بإلإضافة إلى النيل فإن بحيرات فكتوريا وكيوغا والبرت وإدوارد وجورج هى مصادر رئيسية للموارد المائية فى يوغندا.
بحيرة فكتوريا:
تبلغ مساحة بحيرة فكتوريا حوالى 68,000 كيلومتر مربع، ويقع حوالى 45% منها فى يوغندا و49% منها فى تنزانيا وحوالى 6% فى كينيا. وهى ثانى أكبر بحيرة فى العالم بعد بحيرة سيوبيرير التى تتشاركها الولايات المتحدة الأمريكية وكندا. وتتمتع بحيرة فكتوريا بثروة سمكية ضخمة، وتستغل الدول الثلاث البحيرة لصيد الأسماك ولمياه الشرب، بإلإضافة إلى الإستعمالات الملاحية والترفيهية. وعانت وتُعانى بحيرة فكتوريا من التغييرات المناخية فقد إرتفع منسوبها إرتفاعاً كبيراُ فى ستينيات القرن الماضى، وتسبّبت الفيضانات فى تشريد مئات الآلاف من القاطنين قرب شواطئها فى الدول الثلاث، وفى إتلاف البنية التحتية فى تلك المنطقة. وانخفض منسوب البحيرة إنخفاضاُ حادّاً فى بداية هذا القرن لعدّة أسباب منها الجفاف. وأثّر ذلك تأثيراً سالباً على توليد الكهرباء فى يوغندا وعلى إمدادات مياه الشرب وعلى الإستخدامات الملاحية فى الدول الثلاث. كما شهدت البحيرة تغييرات بيئية مثل إنتشار الأعشاب النيلية، أوما يُسمى بـ "ياقوتية الماء" على سطح البحيرة مما نتجت عنه آثار سلبية على الملاحة والأسماك ومياه الشرب وعلى الوضع البيئي للبحيرة.
وقد دفعت هذه التغييرات الدول الثلاث على التوقيع عام 2003 على بروتوكول لتنظيم إستغلال وإدارة وحماية البحيرة، وأنشأت هذه الدول مفوضية بحيرة فكتوريا لتفعيل البروتوكول وتطبيقه، ومقر المفوضية مدينة كيسومو فى كينيا. وقد إنضمت دولتا بوروندى ورواندا إلى البروتوكول لاحقاً وأصبحتا عضوين فى المفوضية رغم أن شواطىء بحيرة فكتوريا لا تمتد إلى أىٍ منهما.ولكن إرتباط هاتين الدولتين ببحيرة فكتوريا سببه نهر كاغيرا الذى ينبع وتنضمُّ اليه مجموعةٌ من الأنهر الصغيرة فى هاتين الدولتين، والذى هو الرافد الرئيسى الذى يُغّذّى بحيرة فكتوريا. بالإضافة إلى نهر كاغيرا فإن بحيرة فكتوريا تتغذى بمجموعة من الأنهارالصغيرة فى الدول الثلاث المشاطئة، وبكمية من الأمطار التى تهطل على مدى العام فوق سطحها. والمنفذ الوحيد للمياه من بحيرة فكتوريا هو نيل فكتوريا.
بحيرة كيوغا:
تقع فى يوغندا أيضا بحيرة كيوغا التى تبلغ مساحتها حوالى 1,700 كيلومتر مربع وتمتد كل البحيرة داخل يوغندا. وهى بحيرة سطحية ضعيفة العمق، ويمر بها النيل بعد خروجه من بحيرة فكتوريا وتضيف القليل إلى مياهه. وبحيرة كيوغا من البحيرات الإستوائية القليلة التى نجتْ من أسماء الأسرة المالكة البريطانية أو المستكشفين الأوروبيين. فالبحيرات الإستوائية النيلية الأربع الأخرى (فكتوريا والبرت وإدوارد وجورج) تحمل إسم أحد أفراد الأسرة المالكة البريطانية. وقد قام بهذه التسميات المستكشفون البريطانيون الذين جاءوا يبحثون عن منابع النيل فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر. بالإضافة إلى تسمية معظم البحيرات بأسماء أفراد الأسرة المالكة البريطانية، فقد سمّى هؤلاء المستكشفون شلالات النيل الأبيض فى يوغندا بإسماء بعض رؤساء الجمعية الجغرافية الملكية فى بريطانيا مثل ريبون وميرشيسون، كما سنرى فيما بعد.
بحيرة البرت:
تبلغ مساحة بحيرة البرت حوالى 5,000 كيلومتر مربع، وتتشاركها يوغندا مع جمهورية الكونغو الديمقراطية حيث تُشكّل الفاصل الحدودى بينهما لمسافةٍ كبيرة. ويغذيها نهر سمليك الذى يُشكّل أيضاً فاصلاً حدودياُ بين الدولتين. ويمر النيل الأبيض عبر بحيرة البرت وتضيف القليل إلى مياه، ثُمّ شمال يوغندا قبل أن يعبر الحدود اليوغندية فى طريقه إلى جنوب السودان.
بحيرة إدوارد:
تبلغ مساحة بحيرة إدوارد حوالى 2,500 كيلومتر مربع، وتتشاركها أيضاً دولتا يوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ويربطها نهر سمليك ببحيرة البرت وهذا بدوره يجعلها جزءً من حوض النيل.
بحيرة جورج:
هذه البحيرة هى أصغر البحيرات النيلية الإستوائية إذ أن مساحتها حوالى 250 كيلو متر مربع. ورغم أنها تقع كلها داخل يوغندا، إلاّ أنه يربطها قنال كازينقا ببحيرة إدوارد وهذا بدوره يجعلها جزءً من حوض النيل.
النيل الأبيض:.
بحيرة فكتوريا هى المصدر الرئيسى للنيل الأبيض، وهوالنهر الوحيد الذى ينبع من بحيرة فكتوريا. ويُسمّى النيل الأبيض عند مخرجه من بحيرة فكتوريا عند مدينة جِنْجا بـ "نيل فكتوريا". ويواصل رحلته عبر بحيرة كيوغا ويخرج منها ويمر بعد ذلك على شلالات كُروما وشلالات ميرشيسون. يدخل نيل فكتوريا بحيرة البرت ويتغير إسمه ليصبح "نيل البرت" بعد خروجه منها. ويواصل نيل البرت رحلته فى شمال يوغندا ويدخل جنوب السودان عند مدينة نمولى الحدودية، ويصبح إسمه عند دخوله جنوب السودان "بحر الجبل."
ويحمل بحر الجبل عند دخوله جنوب السودان حوالى 33 مليار متر مكعب من المياه يضيع حوالى نصفها فى مستنقعات السُدّ بجنوب السودان بينما تضيع حوالى خمسة مليار متر مكعب فى التبخر والتسرب بين ملكال وأسوان (خصوصا فى خزان جبل أولياء). وعليه فإن البحيرات الإستوائية تساهم بحوالى 11.5 مليار متر مكعب من إجمالى مياه نهر النيل البالغة 84 مليار متر مكعب مقاسةً عند أسوان. وتأتى بقية مياه النيل والبالغة حوالى 72.5 مليار متر مكعب من الهضبة الإثيوبية (النيل الأزرق 50 مليار؛ نهر عطبرة 11 مليار؛ ونهر سوباط 11.5 مليار). عليه فإنّ البحيرات الإستوائية تساهم بحوالى 14% فقط من جملة مياه نهر النيل، بينما تأتى البقية وهى 86% من الهضبة الإثيوبية.
ورغم هذا الحجم الكبير من المياه إلاّ أن يوغندا تواجه تحديات التباينات الزمانية (هطول معظم الأمطار فى أشهر معينة من السنة) والمكانية (هطول معظم الأمطار فى مناطق معينة أكثر من غيرها)، وكذلك تداعيات التغييرات المناخية والتى تنتج عنها فيضاناتٌ فى بعض السنوات، وجفافٌ حاد فى سنوات أخرى. هذا بإلإضافة إلى الزيادة السكانية المطّردة فى يوغندا خصوصاً خلال السنوات العشرين الماضية والتى نتج عنها أن نصف سكان يوغندا الآن تحت سن الثامنة عشر عام. ونسبةُ لظروفها الإقتصادية والأمنية فإن أقل من 20% من سكان يوغندا لديهم خدمات مياه، وأقل من 7% لديهم خدمات كهرباء، وتعيش الغالبية العظمى منهم فى كمبالا العاصمة.
3
أدّى الإرتفاع المفاجئ والكبير في بحيرة فكتوريا فى ستينيات القرن الماضى والذي نتجت عنه عدّة مشاكل في تنزانيا ويوغندا وكينيا إلى تشكيل أولى ملامح التعاون بين دول حوض النيل. كانت هناك عدّة إرهاصات لهذا الإرتفاع في بحيرة فكتوريا وأن من ضمن أسبابه قد يكون وقوف مستنقعات جنوب السودان كعقبةٍ في طريق انسياب النيل الأبيض، أو قد يكون حجز السدّ العالي لمياه النيل. لهذه الأسباب فقد دعت دول البحيرات الإستوائية مصر والسودان وأثيوبيا لمناقشة هذه المسألة تحت مظلة برنامج المسح المائي للبحيرات الإستوائية والذي ساهمت الأمم المتحدة في تمويله وتسهيل إجراءاته. تواصلت لقاءات وإجتماعات دول الحوض تحت عدة مظلات لاحقة من بينها النيل الفني، والأخوّة، والنيل لعام 2000.
وفي عام 1997 برزت فكرة مبادرة حوض النيل والتي أخذت شكلها الرسمي في 22 فبراير عام 1999 في مدينة أروشا في تنزانيا إثر توقيع وزراء المياه لدول الحوض بالأحرف الأولى على وقائع الإجتماع الذي أسس لقيام مبادرة حوض النيل. وقد اتفق الوزراء على أن الهدف من المبادرة هو تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية المستدامة من خلال الإنتفاع المنصف والمنافع من موارد النيل المشتركة. لقد قام البنك الدولي وعددٌ من منظمات الأمم المتحدة والمانحين بدورٍ تسهيليٍ للمبادرة، وقد نجحت المبادرة في عدّة مجالات من بينها إنشاء سكرتارية بمدينة عنتبي في يوغندا، ومكتب للنيل الشرقي بأديس أبابا، ومكتب لنيل البحيرات الإستوائية بمدينة كيغالي بدولة رواندا وتمويل عددٍ من المشاريع المشتركة. وبدأ العمل قبل عدّة أعوام في اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل وقد وقّعت علي الاتفاقية حتى الآن ستُ دول هى يوغند وكينيا وتنزانيا واثيوبيا ورواند وبوروندى. وتعترض مصر والسودان بشدّة على هذه الاتفاقية كما ناقشنا فى مقالاتٍ سابقة. وهذه الاتفاقية لم تدخل حيز التنفيذ بعد لعدم تصديق هذه الدول الست عليها حتى الآن. وتُعرف هذه الاتفاقية بـ اتفاقية عنتبى لأن التوقيع عليها تمّ فى هذه المدينة.
4
تشكّلت أولى ملامح برنامج يوغندا لإستغلال مياه بحيرة فكتوريا والنيل الأبيض (نيل فكتوريا) فى توليد الطاقة الكهربائية فى أواخر أربعينيات القرن الماضى عندما كانت يوغندا مستعمرةً بريطانية. وقتها قررت الإدارة البريطانية فى يوغندا الإستفادة من مجموعة الشلالات التى تقع فى نهر فكتوريا عند خروجه من بحيرة فكتوريا لتوليد الطاقة الكهربائية من إنسياب المياه عبرهذه الشلالات بدون الحاجة إلى تخزين للمياه، مما سيُقلل التكلفة بصورةٍ كبيرة. وقد أشارت بعض الدراسات المبدئية إلى أنّ الطاقة المتاحة ليوغندا من منظومة النيل فد تصل إلى حوالى 8,000 ميقاواط.
دخلت الإدارة البريطانية فى يوغندا فى مجموعة من الاتفاقيات الثنائية مع مصر عام 1949 عكست موافقة مصر تحت شروط معيّنة على قيام أول مشروع لتوليد الطاقة الكهربائية من مياه النيل الأبيض فى يوغندا. وقد تَبِعَت هذا المشروع عدّة مشاريع أخرى، كما سنناقش فى المقال القادم.

Go to top