JSN Blank - шаблон joomla Продвижение

 

سدود يوغندا وملف نزاعات مياه النيل 2-2 .. بقلم: د. سلمان محمد أحمد سلمان

1
تعرضنا فى المقال السابق إلى الوضع المائى فى يوغندا وأوضحنا أن يوغندا قطرٌ صغيرٌ لا تتعدى مساحته 250,000 كيلومتر مربع، وهى تساوى حوالى عُشر مساحة السودان الحالية، وأن كل يوغندا تقريباً تقع فى حوض النيل الأبيض، وأن حوالى 8% من حوض النيل يقع فى يوغندا. بالإضافة إلى النيل الأبيض فهناك مجموعة من البحيرات التى تقع كلّها فى يوغندا أو تتشاركها يوغندا مع جمهورية الكونغو الديمقراطية، كما أن حوالى 45% من بحيرة فكتوريا والتى تبلغ مساحتها حوالى 68,000 كيلومتر مربع يقع فى يوغندا بينما يقع 49% منها فى تنزانيا و6% فى كينيا. وأوضح المقال المشاكل التى واجهت وتواجه بحيرة فكتوريا من وقتٍ لآخر من إرتفاعٍ كبيّرٍ أو انخفاضٍ حادٍ فى منسوبها، وقد أدّى ويؤدى كلٌ منهما إلى تأثيراتٍ إقتصادية واجتماعية وبيئية سلبيةٍ، إضافةً إلى المشاكل التى خلقتها ياقوتية الماء على البحيرة.
2
مشروع الطاقة الأول فى يوغندا:
تشكّلت أولى ملامح برنامج يوغندا لإستغلال مياه بحيرة فكتوريا والنيل الأبيض (نيل فكتوريا) فى توليد الطاقة الكهربائية فى أواخر أربعينيات القرن الماضى عندما كانت يوغندا مستعمرةً بريطانية. وقتها قررت الإدارة البريطانية فى يوغندا الإستفادة من مجموعة الشلالات التى تقع فى نهر فكتوريا عند خروجه من بحيرة فكتوريا لتوليد الطاقة الكهربائية من إنسياب المياه عبرهذه الشلالات بدون الحاجة إلى تخزين للمياه. كان أول تلك المشاريع هو مشروع سدّ شلالات أوين لتوليد الطاقة الكهربائية. يقع المشروع قرب مدينة جِنجا عند مخرج نيل فكتوريا من البحيرة، وقد تم التخطيط له ليُولِّد حوالى 180

ميقاواط من الطاقة الكهربائية لإستعمالها فى يوغندا وتصدير الفائض منها إلى كينيا وتنجانيقا.
تخوّفت الإدارة البريطانية من إعتراض مصر على مشروع سدّ شلالات أوين لتوليد الطاقة الكهربائية بحجّة أن هذه المشروع قد يُسبّب ضرراً لمصر بأن يُقلّل كميات المياه الواردة لمصر، أو يتدخل فى وقت وصولها هناك، كما تنص اتفاقية مياه النيل لعام 1929. وكانت بريطانيا نفسها قد وقّعت على تلك إلاتفاقية مع مصر بالنيابة عن مستعمراتها فى شرق أفريقيا (يوغندا وكينيا وتنجانبيقا) بالإضافة إلى السودان. لهذه الأسباب فقد بدأت بريطانيا مفاوضات مكثّفة مع مصر حول المشروع فى نهاية الأربعينيات ونتج عن هذه المفاوضات التوقيع عام 1949 على ثلاث اتفاقيات يمكن تلخيص مضمونها فى الآتى:
أولاً: بما أن المشروع سوف يُغرِق شلالات ريبون التى كانت تنظم بشكلٍ طبيعىٍ إنسياب مياه بحيرة فكتوريا إلى نهر فكتوريا فهذا يعنى أن المشروع قد حوّل بحيرة فكتوريا إلى مستودعٍ للمياه. عليه فقد طلبت مصر ووافقت بريطانيا على رفع مستوى البحيرة لزيادة مخزون المياه فيها.
ثانياً: وافقت مصر على دفع حوالى مليون جنيه إسترلينى كتعويضاتٍ للمجموعات المتضررة من إرتفاع منسوب مياه البحيرة. وقد شمل ذلك القرار المجموعات المتأثرة ليس فقط فى يوغندا بل فى كينيا وتنجانيقا أيضاً.
ثالثاً: بما انه لم يعد هناك إنسياب طبيعى للبحيرة فى نيل فكتوريا بعد إغراق شلالات ريبون فقد إتفق الطرفان على معادلة جديدة لإنسياب المياه تربط بين معدّل المياه فى البحيرة والكميات التى يمكن السماح بتدفقها فى نهر فكتوريا.
رابعاً: لمراقبة تنفيذ هذه إلاتفاقيات وافقت بريطانيا بالنيابة عن يوغندا على تواجد مهندسين مصريين بصفة دائمة فى مدينة جِنجا. وقد شملت مهامهم تحت هذه إلاتفاقيات مراقبة بناء سد أوين، والإشراف على تطبيق المعادلة الخاصة بتدفق المياه من بحيرة فكتوريا إلى نيل فكتوريا، وجمع المعلومات المتعلّقة بالمسح المائى لبحيرة فكتوريا. وقد التزمت الإدارة البريطانية فى يوغندا بتسهيل مهام هؤلاء المهندسين المصريين.
على ضوء هذه الاتفاقيات بدأ العمل فى بناء سد أوين فى عام 1949 واكتمل فى عام 1953 ليولّد حوالى 150 ميقاواط من الكهرباء إستُعمِل جُلها فى يوغندا وتم تصدير بعضها إلى كلٍ من كينيا وتنجانيقا.
تدهور الوضع فى السد ومحطّة توليد الكهرباء إبان فترة حكم عيدى أمين وفترة الحروبات الداخلية، ولكن تمّ إعادة تأهيل السد والمحطّة فى ثمانينيات القرن الماضى، وارتفع معدل الطاقة الكهربائية المُولّدة إلى 180 ميقاواط بعد التأهيل الثانى، وتمتّ إعادة تسمية المشروع بـ "محطّة نالوبالى.للطاقة الكهربائية".
3
مشروع الطاقة الثانى فى يوغندا:
إزدادت إحتياجات يوغندا من الطاقة الكهربائية بإزدياد السكان والهجرة إلى المدن وبقيام بعض الصناعات. وقامت يوغندا ببناء مشروع طاقة كهربائى ثانى عام 1993 هو إمتداد للمشروع الأول. وقد تضمن هذا المشروع الذى يقع على بعد كيلومترٍ واحد من المشروع الأول شقّ قناة من بحيرة فكتوريا إلى موقع محطة الكهرباء الجديدة على نهر فكتوريا. وأكدت يوغندا إلتزامها بالمعادلة المتفق عليها مع مصر فى المشروع الأول لإنسياب المياه من بحيرة فكتوريا إلى نهر فكتوريا. وقد إكتمل المشروع عام 1999 وبدأ فى توليد 80 ميقاواط من الطاقة الكهربائية عام 2000، وارتفع توليد الطاقة بعد تأهيل المشروع إلى 120 ميقاواط عام 2003. وقد سُمّى المشروع بـ "محطّة كيرا.للطاقة الكهربائية"
مشروعا الطاقة الثالث والرابع:
فى أثناء العمل فى مشروع كيرا بدأ العمل بمشروع الطاقة الثالث والذى يتكون من إعادة تأهيل لسد المشروع الأول وتحديث ماكينات توليد الطاقة به، وتحديث وتوسيع شبكة توزيع الكهرباء. غير أن الجفاف الذى واجهته يوغندا فى بداية هذا القرن ومشاكل تراكم ياقوتية الماء المتوالدة بكثرة فى بحيرة فكتوريا بدأ فى التأثير على شبكات توليد الطاقة فى مشروعي نالوبالى وكيرا. وقد ساهم البنك الدولى فى تمويل مشروعى الطاقة الثانى والثالت فى يوغندا، وقرر بناءً على طلب يوغندا تمويل مشروع الطاقة الرابع عام 2002 والذى شمل تمويل وحدات توليد كهرباء إضافية للمشروع الأول والثانى وإعادة تأهيل وتحديث وتوسيع البنية التحتية لهذين المشروعين. وقد إكتمل العمل بهذا المشروع فى بداية عام 2008 وساهم فى رفع الطاقة الكهربائية لمشروعى نالوبالى وكيرا الى حوالى 350 ميقاواط.
مشروع بوجاغالى للطاقة الكهربائية:
يتكون هذا المشروع من سدٍ إرتفاعه حوالى ثلاثين متراً على نهر فكتوريا ومحطة لتوليد الطاقة. ويقع المشروع على بعد حوالى 15 كيلومتر من محطتى نالوبالى وكيرا. وعلى الرغم من أن التخطيط لبناء المشروع كان قد بدأ عام 2003، إلاّ أن الكثير من المانحين ترددوا فى تمويل المشروع بسبب التخوف من التأثيرات البيئية خصوصاً إغراق المشروع لآثار ومواقع تاريخية وثقافية هامة. وفى عام 2007 نجحت يوغندا فى الحصول على التمويل اللازم بعد دراسة مكثّفة للتأثيرات البيئية ووضع خطّة متكاملة لدرء التأثيرات البيئية السلبية الناجمة عن المشروع. وتساهم مجموعة البنك الدولي بتمويلٍ قدره 360 مليون دولار من جملة التكلفة الكليّة للمشروع البالغة حوالى 800 مليون دولار. وقد بدأ العمل فى المشروع عام 2008 ويُتوقع أن يكتمل العمل فى نهاية هذا العام. وسيُولّد المشروع عند إكتماله حوالى 250 ميقاواط من الكهرباء.
قامت يوغندا بناْءً على طلب البنك الدولى بإخطار كل دول حوض النيل التسع الأخرى بمشروع بوجاغالى ومدّها بالمعلومات اللازمة عن المشروع تطبيقاً لسياسة البنك الدولى الخاصة بالمشاريع المقامة على مجارى مائية دولية. وقد تمت مناقشة المشروع فى إجتماعٍ لوزراء مياه دول حوض النيل تحت مظلة مبادرة حوض النيل. وقد أوضحت وثائق المشروع التى أمدت بها يوغندا دول حوض النيل التسع الأخرى أن المشروع سوف يستعمل نفس المياه التى يستعملها مشروعا نالوبالى وكيرا، وأنه لن يستعمل أى مياه إضافية لتوليد الطاقة الكهربائية. ولم تُبدِ أىٌ من دول حوض النيل إعتراضاً أو تحفّظاً على المشروع. وقد أدّى هذا بدوره إلى تسهيل التمويل للمشروع خصوصاً من مجموعة البنك الدولى.
4
المشاريع تحت الدراسة:
أولاً مشروع كاروما للطاقة الكهربائية:
تُجرى يوغندا حاليأ مجموعة من الدراسات لمشاريع جديدة لتوليد الطاقة الكهربائية من مياه النيل. وقد إكتملت الدراسة الخاصة بمشروع كاروما للطاقة الكهربائية. وهذا مشروعٌ ضخم يقع على نيل فكتوريا شمال بحيرة كيوغا. وتبلغ التكلفة المبدئية للمشروع حوالي مليار ونصف مليار دولار ويُتوقع أن يُولّد المشروع حوالى 200 ميقاواط من الكهرباء فى المرحلة الأولى وتصل الطاقة للمشروع فى مراحله النهائية إلى 800 ميقاواط.
ثانياً: مشروع إيسيمبا للطاقة الكهربائية:
تقوم يوغندا حالياً بدراسة الجدوى لمشروع إيسيمبا للطاقة الكهربائية. ويقع المشروع على نيل فكتوريا شمال بوجاغالى. ويُتوقع أن يولّد المشروع فى مرحلته الأولى حوالى 100 ميقاواط من الطاقة الكهربائية بتكلفةٍ مقدارها حوالى 400 مليون دولار.
ثالثاً: مشروع كالاغالا للطاقة الكهربائية:
هناك أيضا دراسة عن مشروع كالاغالا للطاقة الكهربائية شمال مشروع إيسيمبا المقترح، ولكن الحكومةاليوغندية تنفى أنها تنوى بناء هذا المشروع لأسباب تتعلق بتأثيراته البيئية والإجتماعية والثقافية السلبية على بيئة وسكان المنطقة. ويُتوقع أن يُولّد هذا المشروع إذا تمّ تنفيذه حوالى 200 ميقاواط من الكهرباء.
تشير بعض الدراسات إلى وجود عددٍ من المواقع الأخرى لتوليد الطاقة الكهربائية من منظومة النيل فى يوغندا، وأن الطاقة المتاحة ليوغندا من منظومة النيل قد تصل إلى حوالى 8,000 ميقاواط.
5
خاتمة
يُهيمن النيل الأبيض على يوغندا بصورةٍ كبيرة، إذ تقع كلُّ أراضى يوغندا فى حوض النيل ويقع حوالى 8% من حوض النيل فى يوغندا. ورغم أن الأمطار فى يوغندا عالية إلاّ أن التغييرات المناخية أدت وتُؤدى إلى فترات جفافٍ طويلة وهذا يؤدى بدوره إلى الإعتماد أكثر فأكثر على مياه منظومة النيل للزراعة والشرب، وبالطبع لتوليد الطاقة الكهربائية. ومع الزيادة السكانية العالية ليوغندا والتى تتجاوز 3% سنوياً فإن هذا الإعتماد سوف يزداد مع مرور الزمن، علماً بأن الطاقة الكهربائية المتاحة ليوغندا من منظومة النيل قد تصل إلى حوالى 8,000 ميقاواط وأن أقل من 7% من سكان يوغندا لديهم خدمات كهربائية. ولابد من الإشارة هنا إلى أن يوغندا تأتى فى المرتبة الرابعة بعد مصر والسودان واثيوبيا من حيث الإستعمالات والإهتمامات بحوض النيل.
لقد بنت يوغندا مشروعيها الأول والثانى للطاقة الكهربائية بعد الاتفاق مع مصر. وبنت مشروع بوجاغالى بعد إخطار دول حوض النيل الأخرى، ولكن يوغندا قد تكون أخطرت الدول المشاطئة الأخرى لأن سياسات المانحين تتطلّب ذلك. وهذا الوضع يثير التساؤل حول ما إذا كانت يوغندا ستُخْطِر الدول المشاطئة الأخرى إن كان بمقدورها أن تدبّر التمويل الازم لمشاريعها الأخرى تحت الدراسة (كاروما وإيسيمبا وكالاغالا) والمشاريع التى ستتم دراستها مستقبلاً. ويثير هذا الوضع أيضاً تساؤلين آخرين، الأول حول إن كانت المشاريع تحت الدراسة ستُولّد الطاقة عن طريق الإنسياب الطبيعى للنهر أم عن طريق التخزين لمياه النيل، والثانى عن التأثيرات التراكمية لهذه المشاريع.
إن الدراسة التى قدمناها الأسابيع الماضية عن سدود ومشاريع اثيوبيا، وهذ الدراسة عن سدود ومشاريع يوغندا بالإضافة إلى سدود ومشاريع مصر والسودان القائمة والمقترحة (والتى نأمل مناقشتها فى حلقاتٍ قادمة) تُوضّح بجلاء أن مياه النيل المحدودة الكمية (والتى تساوي 2% من نهر الأمزون، 6% من نهر الكونغو، 12% من نهر اليانغستي، 17% من نهر النيجر، و26% من نهر الزمبيزي) لن تستطيع أن تستوعب هذه السدود والمشاريع الكثيرة والكبيرة. وتشير بوضوحٍ أيضاً إلى الزيادة الكبيرة فى السكان الذين يعتمدون على مياه النيل المحدودة (من 100 مليون نسمة فى ستينيات القرن الماضى، إلى 300 مليون هذا العام، إلى 500 مليون عام 2025)، وتُشير كذلك إلى التغييرات المناخية الحادة التى ظلت تُؤثر سِلباً على حوض النيل.
تحت هذه الظروف فإنه لا خيار لدول حوض النيل غير التعاون مع بعضها البعض، وتأطير هذا التعاون باتفاقيةٍ شاملة لكل دول الحوض لحماية وتنمية والإنتفاع المشترك من مياه النيل، وإنشاء مفوضية لتفعيل هذا الاتفاق وإنزاله أرض الواقع.

Go to top