JSN Blank - шаблон joomla Продвижение

 

22 مارس – اليوم العالي للمياه .. بقلم: د. سلمان محمد أحمد سلمان

1
يحتفل العالم اليوم – 22 مارس – باليوم العالمي للمياه. وكانت الجمعيّة العامة للأمم المتحدة قد أصدرت قراراً فى ديسمبر 1992، تمّ التصديق عليه بالإجماع، أعلنت فيه يوم 22 مارس من كل عام يوماً عالمياً للمياه. ووجّه القرار الدول الأعضاء والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدنى وكذلك المؤسسات الأكاديمية بتخصيص هذا اليوم لاحتفالاتٍ ومهرحاناتٍ وندواتٍ وحلقات نقاش ُتركّز على القضايا والمشاكل التى تواجه موارد المياه، وتبتدر حلولاً لهذه المشاكل ووسائل لتطبيق هذه الحلول. بدأت الإحتفالات بهذا اليوم لأول مرّةٍ في عام 1993 ومنذ ذلك التاريخ ظلّ العالم يُعطى هذا اليوم طابعاً خاصاً. فقد تم إنشاء المجلس العالمى للمياه كمنظمةٍ معنيةٍ بالدراسات والبحوث فى موارد المياه وأَوكِل إلى المجلس مهمة تنظيم المنتدى العالمى للمياه والذى يُعقد كل ثلاثة أعوام ويستمر لمدّة أسبوعٍ كاملٍ تتخلّله المحاضرات والندوات والمهرجانات والعروض المسرحية والسينمائية والمعارض..يبتدئ المنتدى عادةً فى 15 مارس وينتهى في 22 مارس حيث يتم الاحتفال في هذا اليوم الأخير باليوم العالمى للمياه كخاتمة لفعاليات المنتدى. وقد عُقِد المنتدى العالمى للمياه الأول في عام 1997 فى مدينة مراكش بالمغرب، والثاني في لاهاى عام 2000، والثالث في كيوتو باليابان عام 2003، والرابع في المكسيك عام 2006. وعُقِد المنتدى الأخير فى اسطنبول في عام 2009 وحضره أكثر من ثلاثين ألف شخص عاملين وباحثين ودارسين ومهتمين بالمسائل المختلفة المتعلقة بموارد المياه. وسيُعْقدْ المنتدى السادس فى مارس عام 2012 بمدينة مارسيل بفرنسا. فى هذا اليوم من كل عام أيضاً تعلن الأكاديمية السويدية الملكية للعلوم اسم الشخص الفائز بجائزة استكهولم للمياه والتى تمنحها الأكاديمية كل عام لشخصيةٍ لها مساهماتها المعتبرة في هذا المجال. ومن أهميتها أصبحت هذه الجائزة تُعرف مجازاً بحائزة نوبل للمياه.
2
ما الذى حدا بالأمم المتحدة لإعطاء هذا الاهتمام الكبير لموارد المياه وتحديد يومِ كل عام للإحتفال بها؟ نورد هنا مجموعة من الأسباب:
أولاً: المياه موردٌ شحيح وكميّته محدودةُ وثابتةٌ ولا يمكن زيادتها. فكمية المياه التى كانت على كوكب الأرض منذ الأزل ما زالت كما هى وستظل كميتها هذه حتى الأبد. وكميّة المياه هذه تحديداً كالآتى:
يتكون كوكب الأرض من 70% مياه و30% يابسة (وهذا يثير التساؤل هل هو كوكب أرض أم كوكب مياه؟؟)
• حجم المياه في كوكب الأرض حوالى 1400 مليون كيلومتر مكعّب.
• من هذه الكمية 97.5% مياه مالحة وهى مياه المحيطات والبحار.
• ما تبقى وهو 2.5% وهي تساوي 35 مليون كيلومتر مكعب هي المياه العذبة.
• من هذه الكمية من المياه العذبة 99.2% مياه متجمّدة فى القطبين الشمالى والجنوبى، أو في أغوار خزانات جوفية عميقة لا يمكن الوصول اليها بتكلفةٍ إقتصادية معقولة.


• يتضّح من هذه الأرقام أن المياه المتاحة لاستعمال البشرية هي:
– أقل من واحد بالمائة من المياه العذبة على الكرة الأرضية
– . أقل من واحد من عشرة بالمائة من مياه كوكب الأرض
ثانياً: المياه موردٌ لا بديل له على عكس الموارد الطبيعية الأخرى والتى لكلٍ منها بديلٌ أو بدائل.
ثالثاً: المياه هى أساس الحياة، ولا حياة لإنسانٍ أو حيوانٍ او نبات بدون المياه. قال تعالى (وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَىءٍ حَىٍّ) (سورة الأنبياء الآية 30). وهذا ما جعل كوكب الأرض عامراً بالحياة على عكس الكواكب الأخرى التى لا ماء فيها وبالتالى لا حياة فيها
هذه الحقائق تجعل من المياه مورداً له خصائص فريدة ومُمِيزة هى الشّح وثبات الكميّة وعدم وجود بديل وأهميته المطلقة للحياة على كوكب الأرض.

3
بالإضافة الى مشاكل الشح وثبات الكمية وعدم وجود بديل فإن موارد المياه تواجه قدراً كبيراً من التحديات المُلِحّة يمكن إيجازها فى الآتى:
أولاً. الزيادة السكانية:
كما ذكرنا آنفاً فإن كمية المياه على كوكب الأرض ثابتة وغير قابلة للزيادة. من الناحية الأخرى فإن سكان الكوكب يتزايدون بنسبة تزيد عن أثنين بالمائة كل عام. وقد كان سكان العالم حوالى مليار ونصف نسمة في بداية القرن الماضى ولكنّ عدد السكان وصل الى أكثر من ستّة مليار فى نهاية القرن الماضى. ويُتَوقع أن يصل سكان العالم الى حوالي تسعة مليار نسمة في منتصف القرن الحالى. كلُّ هذا العدد من البشر يتنافس على نفس كميات المياه الموجودة منذ الأزل. عليه فإن كمية المياه المتاحة لكل فرد تنقص كل يوم. وكمثال لهذا النقص فإن كميات المياه المتاحة لكل فرد في الشرق الأوسط ستهبط الى النصف عما هي عليه الآن بحلول عام 2050 (من حوالى ألف متر مكعّب للفرد سنوياً الى حوالي خمسمائة متر مكعّب، وهى أقل نسبة مياه فى أىٍ من أقاليم العالم). وتنسحب ظاهرة الزيادة السكانيّة علي السودان ايضاً حيث زاد عدد السكان من اثنتي عشر مليوناً في عام 1956م، الي قرابة الأربعين مليوناً في يومنا هذا، وهي تتنافس على قدرٍ ثابتٍ، أى على نفس الكمية من المياه.
ثانياً. الهجرة الى المدن:
إنّ ظاهرة الزيادة السكانية ظلّت تقود علي كل مستوياتها الي التحدي الثاني وهو ارتفاع نسبة الهجرة من الريف الي المدن بشكل عام، وتلك سمةٌ اصبحت مشتركة علي مستوى العالم ولها اسبابها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ونتج وتنتج عن هذه الهجرة ضغوطٌ علي مصادر المياه المحدودة خصوصاً في المدن التي لا تتوفر لها البنية التحتية الكافية لاستيعاب ذلك التحول الديمغرافي الطاغي. ومما هومعروف فإن احتياجات الفرد من المياه فى المدينة اكبرمن احتياجات الفرد فى الريف. وفي السودان زاد عدد سكان العاصمة السودانية من مائتين و خمسين الف نسمة في عام 1956م الي سبعمائة وخمسين الف نسمة في عام 1965م، ومن ثمّ الي ما يقارب خمسة ملايين الآن.
ثالثاً. التغييرات المناخية:
ساهمت الزيادة السكانية في التدهور البيئ في معظم دول العالم خصوصاً خلال القرن الماضى وفى الدول النامية التى ليس لها قوانين دقيقة لحماية البيئة ، أو لها قوانين ولكن لا أحد يلتزم بها أو لا تُوجد إرادة أوجدّية كافية لمتابعة التنفيذ. وقد نتجت عن هذا التدهور البيئى والتصنيع المكثف فى الدول المتقدمة تغييراتٌ مناخية حادة تمثلت في الفيضانات المدمّرة وكذلك الجفاف الذى يزحف تدريجياً في معظم أنحاء العالم خصوصاً فى أفريقيا وآسيا: وقد ساهم التدهور البيئى والتغييرات المناخية بدورها في زيادة الهجرة من الريف الى المدن بسبب تدهور وضعية الزراعة والرعي فى الريف نتيجة الجفاف.
رابعاً. الإستعمالات غير المرشّدة للمياه:
يحتل قطاع الرى مكاناً مهولاُ فى استعمالات المياه على مستوى العالم، إذ يستعمل هذا القطاع وحده حوالي 75% من المياه، وترتفع هذه النسبة إلى حوالى 85% فى كثيرٍ من دول العالم الثالث. وتتسم استعمالات هذا القطاع بالهدر وعدم الترشيد لأسباب كثيرة منها أن الحكومات تعطى المزارعين هذه المياه مجاناُ أو بسعرٍ أقل بكثير من سعر التكلفة ولا تشركهم فى إدارة هذه المياه، وهذا بدوره لا يخلق أى حافزٍ من جانب المزارع فى ترشيد الإستهلاك. ينسحب هذا الوضع أيضاً على مياه الشرب عندما تكون التعريفة الشهرية ثابتة ومحدّدة لكل المستهلكين بغضّ النظر عن كمية المياه المستعملة، مما لا يخلق أى حافزٍ من جانب الأفراد والأسر فى ترشيد الإستهلاك .
خامساً. تعدّد المجارى المائية الدولية:
تتشارك دولتان أو أكثرفي حوالي 300 نهر و100 بحيرة و300 خزان جوفي. ويقع حوالي 40% من الكرة الأرضية حول هذه المجارى المائية المشتركة، كما يعتمد حوالى نصف سكان العالم على هذه المجارى. ورغم هذا فإنّ معظم هذه المجارى المائية المشتركة بلا اتفاقيات تنظم استخدامها وادارتها وحمايتها. وفي حالة وجود اتفاقيات فإن معظم هذه الإتفاقيات جزئية ولا تشمل كل الدول المشاطئة للمجرى المشترك. كما أنه لا تُوجد معاهدة دولية مُلزمة تنظم استعمال وإدارة وحماية هذه المجارى المائية بين الدول المشاطئة. إنّ إتفاقية الأمم المتحدة بشأن قانون استخدام المجارى المائية فى الأغراض غير الملاحية والتى أجازتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 مايو عام 1997 بأغلبية فاقت المائة عضو، لم تدخل بعد حيّز التنفيذ، إذ تحتاج إلى تصديق أو موافقة 35 دولة، وحتّى اليوم صادقت عليها 21 دولة فقط. نتج عن هذا الوضع تنافسٌ حاد في كثيرٍ من الأحواض المشتركة والذى وصل إلى مرحلة النزاعات بين عددٍ كبير من الدول حول مجارى مائية كثيرة. وبدلاً من التعاون بين هذه الدول والذي كان سيؤدى (كما أدّى فى عددٍ من الأحواض) إلى الكثير من المنافع المشتركة وإلى الاستعمالات المرشّدة لهذه المجارى المائية المشتركة وحمايتها وإدارتها إدارةً تعاونية مشتركة، تصاعدت الخلافات ودقت بعض الدول طبول الحرب حول بعض الأحواض المائية المشتركة.

4
إن العرض الموجز أعلاه لوضعية المياه فى العالم اليوم يوضح بجلاء التحديات الضخمة التى تواجه شعوب ودول العالم اليوم في مجال موارد المياه. فالمياه مصدرٌ شحيح وثابت الكمية وبلا بديل، تعتمد عليه البشرية اعتماداٍ كاملاً في حياتها. إن الوضع يزداد تعقيداً، إن لم نقل سوءاً، مع الزيادة السكّانية المطّردة والهجرة المتزايدة من الريف إلى المدن، ومع التغييرات المناخية والتدهور البييء، إضافةً الى فشل كثيرٍ من الدول فى التوصل الى اتفاقيات حول المجارى المائية المشتركة.
ونحن نستشرف اليوم العالمى للمياه لعام 2011 علينا أن نعى هذه التحديات الضخمة التى تواجه موارد المياه وأن نفكّر ونعمل معاً كأفرادٍ وأُسر وجمعيات ومنظمات واتحادات ونقابات وأحزاب وحكوماتٍ ولائية وإقليمية ومركزية من أجل المحافظة على هذا المورد الهام وترشيد استهلاكه وحمايته وتنميته، ليس فقط من أجل أنفسنا، بل أيضاً من أجل الأجيال القادمة.

Go to top